أيّ حدود لسياسة البنك المركزي في كبح جماح التضخّم؟
انتقد رضا شكندالي أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية مقاربة البنك المركزي للسيطرة على التضخّم من خلال استعمال السياسة النقدية والترفيع في نسبة الفائدة المديرية، معتبرا أنّ البنك المركزي بدوره مقيّد بقانونه الأساسي الذي حدّد له هذه الآلية للتحكم في التضخّم.
وقال الشكندالي، في برنامج ميدي شو الخميس 15 جوان 2023، إنّه ليس لتونس الآلية الضرورية لاستخدام السياسة النقدية في مكافحة التضخم على غرار الدول الكبرى التي تعزز سياستها النقدية، عبر رفع نسبة الفائدة المديرية، جلب الأموال لأسواقها المالية وتعزيز تماسك عملاتها (الأورو أو الدولار) وهذا ليس الحال في تونس.
وأشار إلى أن السوق المالية التونسية ليست قوية وأنّ المحافظ التونسية في السوق المالية ضعيفة جدا، وأنّ رفع نسبة الفائدة المديرية لن يكون لديه أيّ انعكاس على السوق المالية.
ويرى بأنّ ''إفراط'' البنك المركزي في استعمال السياسية النقدية وزيادة الفائدة المديرية لم يساهم في الحدّ من التضخّم.
ولاحظ بأنّ ترفيع نسبة الفائدة يهدف إلى تقليص الاقبال على القروض الاستهلاكية، ليتراجع بذلك الاقبال على المواد الموردة وينخفض بالتالي العجز التجاري وتتحسن قيمة الدينار، ووفقا لهذا التمشي فإنّ العائلة التونسية يُفترض أن تكون المسؤولة عن التضخم بإقبالها على المواد الإستهلاكية الموردة، إلا أنّ واقع الحال غير ذلك.
وشدّد على أنّ العجز التجاري لا تتسبب فيه العائلات التونسية باستهلاكها للمواد الموردة بل إنّ بل الطاقة تمثّل أكثر من 40 بالمائة من هذا العجز وتليها مواد التجهيز وبدرجة أقلّ بكثير المواد الاستهلاكية التي لا تمثّل حصّتها في العجز سوى نسبة قليلة.
كما أشار الشكندالي إلى أنّ هذه السياسة النقدية لم تساهم في انخفاض قروض الإستهلاك بصفة ملحوظة.
وشدّد على أنّ الدولة هي التي تتسبب في التضخّم باقتراضها من البنوك، وأنّ اقتراضها لم يتراجع بل هو في ارتفاع متواصل رغم استمرار ارتفاع نسبة الفائدة.
''تنفيذ السياسة المزدوجة الجبائية والمالية الحلّ لمجابهة التضخم''
وقال إنّ الحل لمجابهة التضخّم يكمن في أن يتعاون البنك مع الحكومة أي تنفيذ السياسة المزدوجة الجبائية والمالية بأن يتدخّل البنك المركزي في رسم ملامح الميزانية والمخططات وأن تتدخّل الدولة في رسم السياسة النقدية.
"آلية ناجعة"
وعلى عكس رضا الشكندالي يرى أستاذ الاقتصاد فتحي النوري أنّ آلية السياسة النقدية لمحاربة التضخم أثبتت نجاعتها وأنّ ترفيع نسبة الفائدة المديرية كان دائما فعّالا.
وأشار، في مداخلة هاتفية في برنامج ميدي شو، إلى أن تونس لديها إشكال في العرض وشح في السيولة المالية وهو ما يحدّ من نجاعة هذ الآلية، التي ليست حكرا على تونس، في كبح جماح التضخّم.
وشدّد على أنّه لا يجب تحميل البنك المركزي المسؤولية عن عدم تراجع التضخّم، نافيا أن يكون البنك يستخدم هذه الآلية فقط وأنّ الآليات المستخدمة تتغيّر بحسب الظرف الاقتصادي، وفق تصريحه.
الخروج من الأزمة الإقتصادية.. مقترح بأربعة محاور
من جهة أخرى شدّد ضيف ميدي شو رضا الشكندالي على أنّ الخروج من الأزمة الإقتصادية يتطلّب، وفق رأيه، أربع اجراءات كبرى أوّلها يمرّ عبر انتاج الفسفاط ووضعه تحت إمرة الجيش لضمان استقرار الانتاج الذي شهد تراجعا كبيرا منذ الثورة تحت وطأة الإحتجاجات وتعطيل الانتاج.
أمّا المحور الثاني الذي يجب العمل على تدعيمه فيتعلّق بتحويلات التونسيين بالخارج، التي فاقت عائداتها مداخيل السياحة، وذلك من خلال اتاحة فتح حسابات بالعملة الصعبة أمامهم مع الغاء الضريبة على الثروة المحدثة في قانون المالية لسنة 2023، باعتبار أنّهم يستثمرون أموالهم في اقتناء العقارات.
ويمثّل التخفيض في الأداءات على أرباح الشركات المصدرة التي تراجعت أنشطتها وصادراتها بسبب هذا الإجراء، المحور الثالث لهذه الإجراءات.
والنقطة الرابعة، وفق الشكندالي تتطلب جرأة كبيرة وتنصّ على ادماج الأموال في السوق السوداء في المسالك المنظمة من خلال عفو جبائي عام، لأنّ اقرار عفو جبائي بـ 10 بالمائة لم يؤت أكله، وذلك رغم التداعيات المحتملة على علاقة تونس بالاتحاد الأوروبي (شبهات تبييض الأموال وادراج تونس على القائمة السوداء)، معتبرا أنّ هذا الإشكال يمكن تجاوزه.
الهجرة واتفاق صندوق النقد
ويشأن مشروع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي لتطوير الشراكة الإقتصادية معه ومكافحة الهجرة غير النظامية، قال الشكندالي إنّه يجب العمل على التفاوض على أساس نقطتين أساسيتين وهما مسألة الهجرة والاتفاق مغ صندوق النقد.
وقال إنه يجب إقناع الإتحاد الأوروبي بأنّ تداعيات رفع الدعم ستكون رفع الهجرة وبالتالي تضرر ايطاليا خصوصا وأوروبا عموما، وهو ما يعني أنّه ليس من مصلحة الاتحاد الأوروبي رفع الدعم وبالتالي رفع هذه المسألة من شروط حصول تونس على قرض من صندوق النقد الدولي.
وتابع "يجب أن نُفهم الجانب الاوروبي ان الاستثمار وتحويل الديون إلى استثمارات هي أفضل مقاربة لمكافحة الهجرة أمام محدودية المقاربة الأمنية.